
من كتاب الوسيط ( فى قانون العقوبات ) للدكتور احمد فتحى سرور
يشترط لوقوع جريمة غسل الأموال أن تسبقها جريمة أصلية تتحصل منها الأموال التي تكون محلا لنشاطها الإجرامي. وقد اختلفت التشريعات بشأن تحديد الجريمة الأصلية، وبشأن هذا التحديد نادى البعض ألا يؤدي إلى التضييق من نطاقها، بينما طالب البعض الآخر بألا يؤدي هذا التحديد إلى التوسع في نطاقها، وذلك على الوجه الآتي:
- (الأول) يأخذ بأسلوب التحديد الحصريالذي يحصر جرائم محددة تصلح لأن تكون وحدها مصدرا للمال محل جريمة الغسل. ويرتكز هذا الأسلوب على أن الجريمة الأصلية مصدر الأموال القذرة ذات طبيعة خاصة، مما يتعين معه تحديدها بوضوح. وهو ما دعا المشرع الفرنسي إلى أن ينص في قانون الصحة العامة (المادة 627/1) بمقتضى قانون صدر في 31 ديسمبر سنة 1987 – على جريمة غسل الأموال المتحصلة من تجارة المخدرات، ثم أدخل في قانون العقوبات لسنة 1994 جرائم معينة تكون مصدرا لغسل الأموال، وهي جرائم الدعارة والقوادة (الفقرة الثانية من المادة 225-6)، وجريمة غسل الأموال المتحصلة عن جرائم المخدرات (المادة 222-38)، وجريمة العجز عن تبرير الزيادة في الموارد المالية التي تتفق مع أسلوب حياته مع معايشته لشخص يباشر نشاطا في الإتجار في المخدرات (المادة 222-39-1)، أو التعامل في أموال متحصلة عن جريمة من الجرائم المنصوص عليها في قانون الجمارك وفقا للمادة 415 من هذا القانون.
- وفي عام 1996 أدخل القانون الفرنسي جريمة عامة لغسل الأموال دون تقييد مصدرها في جريمة معينة، وذلك في المادة 324-1 عقوبات، فقد عاقبت هذه المادة على غسل الأموال المتحصلة من جناية أو جنحة دون تحديد طبيعتها، فاندرج بذلك قانون العقوبات الفرنسي تحت النوع الثاني من التشريعات الذي لا يأخذ بهذا التحديد الحصري.
- وقد بدأت بعض التشريعات في النص على تجريم غسل الأموال التي يكون مصدرها الإتجار في المخدرات تطبيقا لما جاء في اتفاقية فيينا لسنة 1988، وأخذت بعض التشريعات في التوسع في تحديد الجرائم التي تكون مصدرا للغسل تجاوبا مع الدليل التنظيمي الأوروبي الأول الصادر سنة 2001 الذي أشار إلى الأموال المتحصلة من نشاط إجرامي جسيم أو أي اشتراك في هذا النشاط.
- وقد ذهبت بعض التشريعات إلى الإحالة إلى الاتفاقيات الدولية في مجال التحديد الحصري للجرائم الأصلية، مثال ذلك القانون الاتحادي الإماراتي رقم 4 لسنة 2002 في شأن تجريم غسل الأموال قبل تعديله بالقانون الاتحادي رقم 9 لسنة 2014، حيث أضاف الجرائم الأخرى ذات الصلة والتي تنص عليها الاتفاقيات الدولية. وهذه الإحالة منتقدة لأن الاتفاقيات الدولية تنص على التزامات دولية بالتجريم ولا تنص على جرائم لأنها تفتقد إلى تحديد العقوبات، بينما لا جريمة بغير عقوبة.
- (الثاني) هو أسلوب المنهج الشاملالذي يتجنب حصر الجرائم الأصلية التي تكون متحصلاتها محلا لغسل الأموال. ويعتمد هذا الأسلوب على أن عدم مشروعية متحصلات الجريمة يرجع إلى مصادر غير مشروعة مختلفة، وأن المهم في التجريم هو عدم مشروعية الأموال التي يتم غسلها بغض النظر عن ماهية الجريمة التي تولدت عنها، لأن الأخطار والأضرار المترتبة على غسل الأموال القذرة واحدة.
- وقد أخذت بذلك بعض التشريعات فابتعدت عن أسلوب التحديد الحصري للجرائم التي تكون مصدرا للغسل لكي تشمل جميع الجرائم، كما في قانون العقوبات الفرنسي (المادة 324-1) كما بيَّنا، وفي قانون العقوبات الإيطالي (المادة 698 مكررا). وأخذ بذلك أيضا نظام مكافحة غسل الأموال في المملكة العربية السعودية، فقد جعل أي نشاط إجرامي يشكل جريمة وفق الشرع أو النظام يكون محلا لجريمة غسل الأموال، سواء كانت هذه الجريمة من جرائم الحدود أو القصاص أو التعزير([1]).